فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال: لما نزل: {اقترب للناس حسابهم} [الأنبياء: 1] قال ناس: إن الساعة قد اقتربت فتناهوا، فتناهى القوم قليلًا ثم عادوا إلى أعمالهم أعمال السوء، فأنزل الله: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} [النحل: 1] فقال أناس: أهل الضلالة هذا أمر الله قد أتى، فتناهى القوم ثم عادوا إلى مكرهم مكر السوء، فأنزل الله هذه الآية: {ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر إلى أمة معدودة قال: إلى أجل معدود.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه: {ليقولن ما يحبسه} قال: للتكذيب به وأنه ليس بشيء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون} يقول: وقع العذاب الذي استهزأوا به.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {ولئن أذقنا الإِنسان منا رحمة...} الآية. قال: يا ابن آدم إذا كانت بك نعمة من الله من السعة والأمن والعافية فكفور لما بك منها، وإذا نزعت منك يبتغي لك فراغك فيؤوس من روح الله قنوط من رحمته، كذلك أمر المنافق والكافر. وفي قوله: {ولئن أذقناه نعماء} إلى قوله: {ذهب السيئات عني} قال: غره بالله وجرأه عليه أنه لفرح والله لا يحب الفرحين، فخور لما أعطى لا يشكر الله، ثم استثنى فقال: {إلا الذين صبروا} يقول: عند البلاء: {وعملوا الصالحات} عند النعمة: {أولئك لهم مغفرة} لذنوبهم: {وأجر كبير} قال: الجنة: {فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك} إن تفعل فيه ما أمرت وتدعو إليه كما أرسلت: {أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز} لا ترى معه مالًا: {أو جاء معه ملك} ينذر معه: {إنما أنت نذير} فبلغ ما أمرت به فإنما أنت رسول: {أم يقولون افتراه} قد قالوه: {فأتوا بعشر سور مثله} مثل القرآن: {وادعوا شهداءكم} يشهدوا إنها مثله.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فهل أنتم مسلمون} قال لأصحاب محمد. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

السؤال الأول: ما الشيء الذي لم يستجيبوا فيه؟
الجواب: المعنى فإن لم يستجيبوا لكم في معارضة القرآن، وقال بعضهم فإن لم يستجيبوا لكم في جملة الإيمان وهو بعيد.
السؤال الثاني: من المشار إليه بقوله: {لَكُمْ}؟
والجواب: إن حملنا قوله: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} على المؤمنين فذلك ظاهر، وإن حملناه على الرسول فعنه جوابان: الأول: المراد فإن لم يستجيبوا لك وللمؤمنين، لأن الرسول عليه السلام والمؤمنين كانوا يتحدونهم، وقال في موضع آخر فإن لم يستجيبوا لك فاعلم.
والثاني: يجوز أن يكون الجمع لتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السؤال الثالث: أي تعلق بين الشرط المذكور في هذه الآية وبين ما فيها من الجزاء.
والجواب: أن القوم ادعوا كون القرآن مفترى على الله تعالى، فقال: لو كان مفترى على الله لوجب أن يقدر الخلق على مثله ولما لم يقدروا عليه، ثبت أنه من عند الله، فقوله: {أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ الله} كناية عن كونه من عند الله ومن قبله، كما يقول الحاكم هذا الحكم جرى بعلمي.
السؤال الرابع: أي تعلق لقوله: {وَأَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ} يعجزهم عن المعارضة.
والجواب فيه من وجوه: الأول: أنه تعالى لما أمر محمدًا صلى الله عليه وسلم حتى يطلب من الكفار أن يستعينوا بالأصنام في تحقيق المعارضة ثم ظهر عجزهم عنها فحينئذ ظهر أنها لا تنفع ولا تضر في شيء من المطالب ألبتة، ومتى كان كذلك، فقد بطل القول بإثبات كونهم آلهة، فصار عجز القوم المعارضة بعد الاستعانة بالأصنام مبطلًا لإلهية الأصنام ودليلًا على ثبوت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فكان قوله: {وَأَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ} إشارة إلى ما ظهر من فساد القول بإلهية الأصنام: الثاني: أنه ثبت في علم الأصول أن القول بنفي الشريك عن الله من المسائل التي يمكن إثباتها بقول الرسول عليه السلام، وعلى هذا فكأنه قيل: لما ثبت عجز الخصوم عن المعارضة ثبت كون القرآن حقًا، وثبت كون محمد صلى الله عليه وسلم صادقًا في دعوى الرسالة، ثم إنه كان يخبر عن أنه لا إله إلا الله فلما ثبت كونه محقًا في دعوى النبوة ثبت قوله: {أَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ} الثالث: أن ذكر قوله: {وَأَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ} جار مجرى التهديد، كأنه قيل: لما ثبت بهذا الدليل كون محمد عليه السلام صادقًا في دعوى الرسالة وعلمتم أنه لا إله إلا الله، فكونوا خائفين من قهره وعذابه واتركوا الإصرار على الكفر واقبلوا الإسلام ونظيره قوله تعالى في سورة البقرة عند ذكر آية التحدي: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فاتقوا النار التى وَقُودُهَا الناس والحجارة أُعِدَّتْ للكافرين} [البقرة: 24].
وأما قوله: {فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ}.
فإن قلنا: إنه خطاب مع المؤمنين كان معناه الترغيب في زيادة الإخلاص.
وإن قلنا: إنه خطاب مع الكفار كان معناه الترغيب في أصل الإسلام. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ}
قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ}: في {أم} هذه وجهان، أحدهما: أنها منقطعةٌ فتقدَّر ب {بل} والهمزة، فالتقدير: بل أتقولون افتراه. والضمير في {افتراه} لما يوحى. والثاني: أنها متصلة، فقدَّروها بمعنى: أيكتفون بما أوحينا إليك من القرآن أم يقولون إنه ليس من عند اللَّه؟.
قوله: {مِّثْلِهِ} نعت ل سُوَر ومثل وإن كانت بلفظ الإِفراد فإنها يُوصف بها المثنى والمجموعُ والمؤنث، كقوله تعالى: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [المؤمنون: 47]، ويجوز المطابقةُ قال تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ} [الواقعة: 23]، وقال تعالى: {ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم} [محمد: 38] والهاءُ في {مثلِه} تعود لما يوحي أيضًا، و{مفتريات} صفة ل سُوَر جمع مُفْتراة كمُصْطَفَيات في مصطفاة فانقلبت الألفُ ياءً كالتثنية.
{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}
قوله تعالى: {أَنَّمَا أُنزِلِ} {ما} يجوز أن تكون كافةً مهيِّئة. وفي {أُنْزِل} ضميرٌ يعود على ما يوحى إليك، و{بعلمٍ} حال أي: ملتبسًا بعلمِه، ويجوزُ أن تكونَ موصولةً اسميةً أو حرفية اسمًا ل {إنَّ} فالخبرُ الجارُّ تقديرُه: فاعلموا أن تنزيلَه، أو أنَّ الذي أُنْزِل ملتبسٌ بعلمٍ.
وقرأ زيد بن علي {نَزَّل} بفتح النون والزاي المشددة، وفاعل {نَزَّل} ضميرُ اللَّه تعالى، و: {وَأَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ} نسقٌ على {أنَّ} قبلها، ولكن هذه مخففةٌ فاسمُها محذوفٌ، وجملةُ النفي خبرُها.
قوله: {نُوَفِّ} الجمهورُ على {نُوَفِّ} بنون العظمة وتشديد الفاء مِنْ وَفَّى يُوَفِّي، وطلحة وميمون بياء الغيبة، وزيد بن علي كذلك إلا أنه خَفَّفَ الفاءَ مِنْ أوفى يوفي، والفاعلُ في هاتَيْن القراءتين ضميرُ اللَّه تعالى. وقرئ: {تُوَفَّ} بضم التاء وفتح الفاء مشددةً مِنْ وفى يُوَفِّى مبنيًا للمفعول.
{أعمالُهم} بالرفع قائمًا مقام الفاعل. وانجزم {نُوَفِّ} على هذه القراءاتِ لكونِه جوابًا للشرط، كما في قوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنهَا} [الشورى: 20].
وزعم الفراء أن {كان} زائدة قال: ولذلك جَزَم جوابَه ولعلَّ هذا لا يصح إذ لو كانت زائدةً لكان يريد هو الشرط، ولو كان شرطًا لانجزم، فكان يُقال: مَنْ كان يُرِدْ.
وزعم بعضُهم أنه لا يؤتى بفعل الشرط ماضيًا والجزاء مضارعًا إلا مع كان خاصة، ولهذا لم يَجِئ في القرآن إلا كذلك، وهذا ليس بصحيحٍ لوروده في غير كان قال زهير:
ومَنْ هاب أسبابَ المنايا يَنَلْنَه ** ولو رام أسبابَ السماء بسُلَّمِ

وأما القرآن فجاء من باب الاتفاق أنه كذلك.
وقرأ الحسن البصري نوفِي بتخفيف الفاء وثبوتِ الياء مِنْ أوفى، ثم هذه القراءةُ محتمِلَةٌ: لأن يكون الفعل مجزومًا، وقُدِّر جزمُه بحذفِ الحركة المقَّدرة كقوله:
ألم يَأْتيك والأنباءُ تُنْمي ** بما لاقَتْ لَبُونُ بني زياد

على أن ذلك قد يأتي في السَّعَةِ نحو: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ} [يوسف: 90]، وسيأتي محرَّرًا في سُورته، ولأن يكون الفعلُ مرفوعًا لوقوع الشرط ماضيًا كقوله:
وإنْ شُلَّ رَيْعانُ الجميعِ مخافةً ** نقولُ جِهارًا ويَلْكُمْ لا تُنَفِّروا

وكقول زهير:
وإنْ أتاه خليلٌ يومَ مَسْألةٍ ** يقولُ لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ

وهل الرفعُ لأنه على نيةِ التقديمِ وهو مذهبُ سيبويه أو على نية الفاءِ، كما هو مذهب المبرد؟ خلافٌ مشهور. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)} في الآية بيانٌ أنَّ المكلَّفَ مُزَاحُ العِلَّةِ لِمَا أُقِيمَ له من البرهانِ وأُهِّلَ له من التحقيق. وأَنَّ الإيمانَ بالواسطة- صلى الله عليه وسلم وآله- واجِبٌ لِما خُصَّ به من المعجزات التي أوضحها الكتابُ المُنَزَّلُ والقرآنُ المُفَصَّلُ الذي عجز الكفار عن معارضته.
{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)} يعني فإن لم يستجيبوا لكم يعني إلى الإتيان بمثله- وهم أهل بلاغة- فتحققوا أنه من قِبَلِ الله، وليس على سنة التحقيق (....) إنما العمى في بصائر من ضلُّوا عن الحقِّ، وتاهوا في سدفة الحيرة. اهـ.

.من لطائف القاسمي:

الأولى:
قيل: تُحُدُّوا أولًا بعشر سور، فلما عجزوا تُحُدُّوا بسورة. وذهب المبرد إلى أن الأمر بالعكس، ووجهه بأن ما وقع أولًا هو التحدي بسورة مثله في البلاغة والاشتمال على ما اشتمل عليه من الإخبار عن المغيبات والأحكام وأخواتها، وهي الأنواع التسعة المنظومة في قول بعضهم:
ألا إنما القرآن تسعة أحرف ** سأنبيكها في بيت شعر بلا ملل

حلال حرام مُحكم مُتشابه ** بشير نذير قصة عظة مثل

فلما عجزوا عن ذلك أمرهم بالإتيان بعشر سور مثله في النظم، وإن لم تشتمل على ما اشتمل عليه، ويشهد له توصيفها بـ (مفتريات).
وقيل: إن التحدي بسورة وقع بعد إقامة البرهان على التوحيد وإبطال الشرك، فتعين أن يكون لإثبات النبوة بإظهار معجزة، وهي السورة الفذة. والتحدي بعشر وقع بعد تعنتهم واستهزائهم، واقتراحهم آيات غير القرآن؛ لزعمهم أنه مفترى، فمقامه يناسبه التكثير؛ لأنه أمر مفترى عندهم، فلا يعسر الإتيان بكثير مثله- كذا في العناية.
الثانية:
ضمير (لكم) للنبي صلى الله عليه وسلم وجمع للتعظيم، كما في قول من قال:
وإن شئت حرمت النساء سواكم

أو له وللمؤمنين؛ لأنهم أتباعه في الأمر بالتحدي. وفيه تنبيه لطيف على أن حقهم ألا ينفكوا عنه عليه الصلاة والسلام، ويناصبوا معه لمعارضة المعارضين، كما كانوا يفعلونه في الجهاد وإرشاد إلى أن ذلك مما يفيد الرسوخ في الإيمان والطمأنينة في الإيقان، ولذلك رتب عليه قوله عز وجل: {فاعلموا} إلخ. وجوز أن يكون الخطاب في الكل للمشركين من جهته عليه السلام، داخلًا تحت الأمر بالتحدي، والضمير في {لم يستجيبوا} لـ {من استطعتم} أي: فإن لم يستجب لكم سائر من تجأرون إليهم في مهماتكم إلى المعاونة؛ فاعلموا أن ذلك خارج عن دائرة قدرة البشر، وأنه منزل من خالق القُوى والقُدَر- كذا في أبي السعود-. اهـ.

.تفسير الآيات (15- 16):

قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان في هذا من الحث على الثبات على الإسلام والدخول فيه والوعيد على التقاعس عنه ما من حق السامع أن يبادر إليه، وكان حق المسلم الإعراض عن الدنيا لسوء عاقبتها، وكان أعظم الموانع للمشركين من التصديق اسستيلاء أحوال الدنيا عليهم، ولذلك تعنتوا بالكنز، أشار إلى عواقب ذلك بقوله: {من كان يريد} أي بقصده وأعماله من الإحسان إلى الناس وغيره: {الحياة الدنيا} أي ورضي بها مع دناءتها من الآخرة على علوها وشرفها: {وزينتها} فأخلد إليها لحضورها ونسي ما يوجب الإعراض عنها من فنائها وكدرها: {نوف} موصلين: {إليهم أعمالهم} أي جزاءها: {فيها} أي الدنيا بالجاه والمال ونحو ذلك: {وهم فيها} أي في الأعمال أو الدنيا: {لا يبخسون} أي لا ينقص شيء من جزائهم فيها، وأما أبدانهم وأرواحهم وأديانهم فكلها بخس في الدارين معًا، وفي الجملتين بيان سبب حبس العذاب عنهم في مدة إمهالهم مع سوء أعمالهم.
ولما بين حالهم في الدنيا، بين حالهم في الأخرى مشيرًا بأداة البعد إلى أنهم أهل البعد واللعنة والطرد في قوله نتيجة لما قبله: {أولئك} أي البعداء البغضاء: {الذين ليس لهم} أي شيء من الأشياء: {في الآخرة إلا النار} أي لسوء أعمالهم واستيفائهم جزاءها في الدنيا: {وحبط} أي بطل وفسد: {ما صنعوا فيها} أي مصنوعهم أو صنعهم أي لبنائه على غير أساس؛ ولما كان تقييد الحبوط بالآخرة ربما أوهم أنه شيء في نفسه قال: {وباطل} أي ثابت البطلان في كل من الدارين: {ما كانوا يعملون} أي معمولهم أو عملهم وإن دأبوا فيه دأب من هو مطبوع عليه لأنه صورة لا معنى لها لبنائه على غير أساس؛ والزينة: تحسين الشيء بغيره من لبسه أو حلية أو هيئة؛ والتوفية: تأدية الحق على تمام؛ وحبوط العمل: بطلانه، من قولهم: حبط بطنه- إذا فسد بالمأكل الرديء. اهـ.